اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 475
قوله: وُضِعَ والعامل فيه على القول الآخر الفعل الذي تتعلق به باء الجر في قوله بِبَكَّةَ تقديره:
استقر ببكة مباركا، وفي وصف البيت ب هُدىً مجازية بليغة، لأنه مقوم مصلح، فهو مرشد، وفيه إرشاد، فجاء قوله، وَهُدىً بمعنى وذا هدى، ويحتمل أن يكون هُدىً في هذه الآية، بمعنى الدعاء، أي من حيث دعي العالمون إليه.
قوله تعالى:
[سورة آل عمران (3) : آية 97]
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
الضمير في قوله: فِيهِ عائد على البيت، وساغ ذلك مع كون «الآيات» خارجة عنه لأن البيت إنما وضع بحرمه وجميع فضائله، فهي فيه وإن لم تكن داخل جدرانه، وقرأ جمهور الناس: «آيات بينات» بالجمع، وقرأ أبي بن كعب وعمرو ابن عباس: «آية بينة» على الإفراد، قال الطبري: يريد علامة واحدة المقام وحده، وحكي ذلك عن مجاهد.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يراد بالآية اسم الجنس فيقرب من معنى القراءة الأولى، واختلف عبارة المفسرين عن «الآيات البينات» فقال ابن عباس: من الآيات المقام، يريد الحجر المعروف والمشعر وغير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا يدل على أن قراءته «آية» بالإفراد إنما يراد بها اسم الجنس، وقال الحسن بن أبي الحسن: «الآيات البينات» مقام إبراهيم، وإن من دخله كان آمنا، وقال مجاهد: المقام الآية، وقوله: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً كلام آخر.
قال القاضي أبو محمد: فرفع مَقامُ على قول الحسن ومجاهد على البدل من آياتٌ، أو على خبر ابتداء تقديره هن مقام إبراهيم، وعلى قول ابن عباس ومن نحا نحوه: هو مرتفع بالابتداء وخبره محذوف مقدم تقديره: منهن مَقامُ إِبْراهِيمَ.
قال القاضي: والمترجح عندي أن المقام وأمن الداخل جعلا مثالا مما في حرم الله من الآيات، وخصا بالذكر لعظمهما، وأنهما تقوم بهما الحجة على الكفار، إذ هم مدركون لهاتين الآيتين بحواسهم، ومن آيات الحرم والبيت التي تقوم بها الحجة على الكفار أمر الفيل، ورمي طير الله عنه بحجارة السجيل، وذلك أمر لم تختلف كافة العرب في نقله وصحته إلى أن أنزله الله في كتابه، ومن آياته كف الجبابرة عنه على وجه الدهر، ومن آياته الحجر الأسود، وما روي فيه أنه من الجنة وما أشربت قلوب العالم من تعظيمه قبل الإسلام، ومن آياته حجر المقام، وذلك أنه قام عليه إبراهيم عليه السلام، وقت رفعه القواعد من البيت، لما طال له البناء فكلما علا الجدار، ارتفع الحجر به في الهواء، فما زال يبني وهو قائم عليه وإسماعيل يناوله الحجارة والطين حتى أكمل الجدار، ثم إن الله تعالى، لما أراد إبقاء ذلك آية للعالمين لين الحجر، فغرقت فيه قدما إبراهيم عليه السلام كأنها في طين، فذلك الأثر العظيم باق في الحجر إلى اليوم، وقد نقلت كافة العرب ذلك في الجاهلية على مرور الأعصار، وقال أبو طالب: [الطويل]
اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 475